بسم الله الرحمن الرحيم
قد كَثُرَ في زَمنِنا تَعليقُ التَّمائِم والخَرَزاتِ، واختَلَفَت عَقِيدةُ النَّاسِ فِيها؛ فمِن مُعتَقِدٍ أنَّها تَدفَعُ العَينَ وسائرَ الآفاتِ، ومِن مُعتَقِدٍ أَنّها تجلِبُ الخَيرَ، وتُتَمِّمُ الأُمُورَ، وتَحفَظُ الأَولادَ، وَالأَموَالَ، وَالمَنَازِلَ، وَالسَّيَّارَاتِ ... إلخ.
وبَينَ يَدَيكَ - أَخِي القَارِئَ - إِطلالَةٌ سَريعَةٌ عَلَى مَفهُومِ التَّمِيمَةِ، وحُكمِهَا فيِ الدِّينِ، والدَّليل عَلَى ذَلك؛ مِن الكِتَابِ العَزيزِ وصَحيحِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، وبَعضِ صُوَرِهَا الشَّائِعَةِ فيِ مُجتَمَعِنَا.
مَفهُومُ التَّمِيمَةِ:
فَالتَّمِيمَة هيَ خَرَزَاتٌ كَانتِ العَربُ تُعَلِّقُها عَلَى أَولاَدِهِم، يَتَّقُونَ بها العَينَ فيِ زَعمِهِم، فَأَبطَلَها الإِسلامُ[1]، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهَا فَسَمَّوا بها كُلَّ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ.
وَسُمِّيَت «تَمِيمَةً»: لأنَّهُم كَانُوا يَعتَقِدُونَ أَنَّ بها يَتِمُّ لهَم الأَمرُ، وَلَيسَ هَذَا مِنَ الحَقِيقَةِ فيِ شَيءٍ؛ لاَ شَرعًا، وَلاَ قَدَرًا، وَإِنَّما هِيَ وَسَاوِسُ الشَّيطَان، تَقُودُهُم إِلَى غَضَبِ الرَّحمَنِ.
وَعَليه فإنَّ التَّميمَةَ هيَ: «كُلُّ مَا يُعَلَّقُ، أَو يُتَّخَذُ مِمَّا يُرَادُ مِنهُ تَتمِيمُ أَمرِ الخَيرِ لِلعَبدِ، أَو دَفعِ الضَّرَرِ عَنهُ، ويَعتَقِدُ فِيه أَنَّهُ سَبَبٌ، وَلَم يَجعَلهُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - سَبَبًا؛ لاَ شَرعًا وَلاَ قَدَرًا»[2].
حُكمُ اتِّخَاذِ التَّمائِم:
- الأَصلُ في تَعلِيقِ التَّمائِمِ أَنَّهُ مِنَ الشِّركِ الأَصغَرِ، مَا لم يَعتَقِد مُعَلِّقُها بأنَّها تَدفَعُ عَنهُ الضَّرَرَ بِذَاتِها دُونَ اللهِ، فَإذَا اعتَقَدَ هذَا الاعتِقَادَ صَارَ تَعلِيقُها شِركًا أَكبَرَ[3]، والضَّابطُ فيِ هَذَا أَنَّ: «كُلَّ مَن جَعَلَ سَبَبًا لَم يَجعَلْهُ اللهُ سَبَبًا؛ لاَ شَرعًا وَلاَ قَدَرًا فَقَدْ أَشرَكَ شِركًا أَصغَرَ»[4].
ويُعرَفُ السَّببُ شَرعًا: بالنَّصِّ عَليه؛ كَالاستِشفَاءِ بالرُّقيَةِ الشَّرعِيَّةِ، والحِجَامَةِ، والعَسَلِ، والحَبَّةِ السَّودَاءِ، فَقَد وَرَدَ أنَّها سَببٌ للشِّفَاءِ مِن أَمرَاضٍ عِدَّة.
وَيُعرَفُ قَدَرًا: بِالتَّجرِبَةِ - عَلَى أَن يَكونَ سَبَبًا مُبَاشِرًا ظَاهِرًا -، كَالأَدوِيَةِ الَّتي ثَبَتَ نَفعُها طِبِّيًّا.
وَاشتِرَاطُ أَن يَكَونَ السَّببُ ظَاهِرًا مُبَاشِرًا مُهِمٌّ جِدًّا؛ لأَنَّ كَثِيرًا ممَّن تَعَلَّقَ قَلبُهُ بِهَذِهِ التَّمائِمِ يَدَّعِي أَنَّهُ جَرَّبَهَا، وَشُفِيَ مِن مَرَضِهِ، أَو أَنَّهُ حُفِظَ مِن مَكرُوهٍ؛ فَقَد يَتَّخِذُهَا وَهُوَ يَعتَقِدُ أنَّها نَافِعَةٌ فَيَرتَاحُ نَفسِيًّا - لاَ حَقِيقَةً - بِخِفَّةِ الأَلمِ - مَثَلاً -، أَو عَدَمِ الإِصَابَةِ بِمَكرُوهٍ، وَالشُّعُورُ النَّفسِيُّ لَيسَ طَريقًا شَرعِيًّا لإِثبَاتِ الأَسبَابِ، كَمَا أَنَّ الإِلهامَ لَيسَ طَريقًا لِلتَّشرِيعِ[5].
وَعَلَى أَيٍّ كَانَ حُكمُهَا؛ فَإِنَّهُ يَنبَغِي لِلعَاقِلِ الَّذِي عَرَفَ قَدْرَ رَبِّهِ أَن يَخَافَ مِنَ الشِّركِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ.
- فَإِنِ اتَّخَذَها لِلزِّينَةِ فَقَط، وَلم يَعتَقِد فِيهَا مَا سَبَقَ - وَهَذَا قَلِيلٌ -؛ فَهَذَا مُحَرَّمٌ؛ لأَنَّهُ تَشَبَّهَ بمَن أَشرَكَ بِاللهِ الشِّركَ الأَصغَرَ، وفي الحديث: «مَن تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنهُم»[6].
وَقَد جَاءَتِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ صَرِيحَةً بِالنَّهيِ عَن تَعلِيقِ التَّمَائِمِ؛ فَعَن عُقبَةَ بنِ عَامِر الجُهَنِيّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقبَلَ إِلَيهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسعَةً، وَأَمسَكَ عَن وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! بَايَعْتَ تِسعَةً وتَرَكتَ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّ عَلَيهِ تَمِيمَةً»، فَأَدخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ وَقَالَ: «مَن عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَد أَشرَكَ»[7].
«وَإِنَّمَا جَعَلهَا - صلى الله عليه وسلم - شِركًا؛ لأَنَّهُ أَرَادَ رَفْعَ القَدَرِ المكتُوبِ، وَطَلَبَ دَفعَ الأَذَى مِن غَير اللهِ تَعَالى الذِي هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ»[8].
قَالَ الشَّيخُ عبدُ العَزيز بنُ بَازٍ - رحمه الله -: «وَالعِلَّةُ في كَونِ تَعلِيقِ التَّمَائِمِ مِنَ الشِّركِ هِيَ - وَاللهُ أَعلَمُ -: أَنَّ مَن عَلَّقَهَا سَيَعتَقِدُ فِيهَا النَّفْعَ، وَيَمِيلُ إِلَيهَا، وَتَنصَرِفُ رَغْبَتُهُ عَنِ اللهِ إِلَيهَا، وَيَضعُفُ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللهِ وَحدَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَافٍ في إِنكَارِهَا وَالتَّحذِيرِ مِنهَا، وَفيِ الأَسبَابِ المشرُوعَةِ وَالمبَاحَةِ مَا يُغنِي عَنِ التَّمَائِمِ، وَانصِرَافُ الرَّغبَةِ عَنِ اللهِ إِلَى غَيرِهِ شِركٌ بِهِ، أَعَاذَنَا اللهُ وِإِيَّاكُم مِن ذَلِكَ»[9].
«فَكَمَالُ التَّوحِيدِ - أَي الوَاجِب -؛ لاَ يَحصُلُ إلاَّ بِتَركِ ذَلكَ - وَإِنْ كَانَ مِنَ الشِّركِ الأصغَرِ -؛ فَهُوَ عَظِيمٌ، فَإذَا كَانَ هَذَا قَد خَفِيَ عَلَى بَعضِ الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - فيِ عَهدِ النُّبُوَّةِ فَكَيفَ لا يَخفَى عَلَى مَن هُوَ دُونَهُم فِي العِلمِ والإِيمَانِ بِمَرَاتِبَ، بَعدَمَا حَدَثَ مِنَ البِدَعِ والشِّركِ؟!!»[10].
وعَن عِيسَى بنِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي لَيلَى قَالَ: دَخَلتُ عَلَى عَبدِ اللهِ بنِ عُكَيمٍ - أَبِي مَعبَدٍ الجُهَنيّ - - رضي الله عنه - نَعُودُهُ، وَبِهِ حُمْرَةٌ، فَقُلتُ: أَلاَ تُعَلِّقُ شَيئًا؟ فَقَالَ: المَوتُ أَقرَبُ مِن ذَلِكَ، قَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن تَعَلَّقَ شَيئًا وُكِلَ إِلَيهِ»[11]، والتَّعَلُّقُ يَكُونُ بِالقَلبِ، ويَكُونُ بِالفِعلِ، وَيَكُونُ بهِمَا جميعًا، أَي: «مَن تَعَلَّقَ شَيئًا» بِقَلبِهِ، أَو تَعَلَّقَهُ بِقَلبِهِ وَفِعلِهِ «وُكِلَ إِلَيهِ» أَي: وَكَلَه اللهُ إلى ذَلِكَ الشَّيءِ الَّذِي تَعَلَّقَهُ؛ فَمَن تَعَلَّقَت نَفسُهُ بِاللهِ، وَأنزَلَ حَوَائِجَهُ بِاللهِ، والتجأ إليه، وَفَوَّضَ أَمرَهُ كُلَّهُ إِلَيهِ: كَفَاهُ كلَّ مُؤْنَةٍ، وَقَرَّبَ إِلَيهِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَمَن تَعَلَّقَ بِغَيرِهِ، أَو سَكَنَ إِلى عِلمِهِ وَعَقلِهِ وَدَوَائِهِ وَتمائِمِهِ، واعتَمَدَ عَلَى حَولِهِ وَقُوَّتِهِ، وَكَلَهُ اللهُ إِلى ذَلكَ وَخَذَلَهُ، وَهَذَا مَعرُوفٌ بِالنُّصُوصِ والتَّجَارِبِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: +وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ_[12]، وَلِهذَا كَانَ مِن دُعَاءِ الرُّسُلِ وَأتبَاعِهِم - عِندَ المصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ -: +حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ_، قَالها إبرَاهيمُ - عليه السلام - حِينَ أُلقِيَ فيِ النَّارِ، وَقَالها محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وأَصحَابُهُ - رضي الله عنهم - حِينَ قِيلَ لَهُم: +إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ_[13].
وَهذَا - أَخِي القَارِئَ - تَهدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمَن أَشرَكَ بِاللهِ شَيئًا مِنْ هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتِ، مُعتَقِدًا فِيهَا.
وعَن رُوَيفِعِ بنِ ثابتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا رُوَيفِعُ! لَعَلَّ الحيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحيَتَهُ، أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ، أَو عَظْمٍ فَإِنَّ محمَّدًا بَرِيءٌ مِنهُ»[14]، والشَّاهد: «أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا»، وفي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ الرَّبِيعِ: «أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا يُرِيدُ تَمِيمَةً»، فَهذَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهم كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ الأَوتَارَ مِن أَجلِ العَينِ، إِذ فُسِّرَت بِالتَّمِيمَةِ، وَهِي تُجعَلُ لِذَلكَ[15]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنهُ» أي: مِنَ الفَاعِلِ وَفِعلِهِ، وَكَفَاهُ إِثمًا أَن يَتَبَرَّأَ مِنهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ[16].
وعَن أَبِي بَشِيرٍ الأَنصَارِيِّ - رضي الله عنه - أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعضِ أَسفَارِهِ، فَأَرسَلَ رَسُولاً أَنْ: «لاَ يَبقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِن وَتَرٍ - أَو قِلاَدَةٌ - إِلاَّ قُطِعَت»[17]، قَالَ الإمَامُ مَالِكٌ - رحمه الله -: «أُرَى ذَلكَ مِنَ العَينِ»[18].
قَالَ أَبُو الوَلِيدِ البَاجِي المَالِكِي - رحمه الله -: «وَمَعنَى قَولِ مَالِكٍ: أَنَّهُ نَهَى عَن ذَلكَ لأَنَّ صَاحِبَهَا يَظُنُّ أَنَّ تِلكَ القَلاَئِدَ تَمنَعُ أَن تُصِيبَ الإِبِلَ العَينُ، أَو تَرُدُّ القَدَرَ»[19].
وَكُلُّ دَلِيلٍ يَصلُحُ فِي الأَوتَارِ يَصلُحُ أَن يَكُونَ دَلِيلاً فِي التَّمَائِمِ، وَبِالعَكسِ[20]؛ لأَنَّ العِلَّةَ لَيسَت فيِ الشَّيءِ المعَلَّقِ، وَإِنَّما فيِ سَبَبِ التَّعلِيقِ وَهُوَ تَعَلُّقُ القَلبِ.
فَدَلَّ الحدِيثُ عَلَى تحرِيمِ تَعلِيقِ التَّمائِمِ عَلَى الإِبِلِ أَو غَيرِهَا، وَيُقَاسُ عَلَيهِ كُلُّ التَّمائِمِ، بل هو شِركٌ، وَأَخطَأَ مَن قَالَ بِكَرَاهِيَّةِ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَنزِيهٍ.
قَالَ الشّيخُ مُحَمَّد بنُ صَالِح العُثَيمِين - رحمه الله -: «لاَ يَجُوزُ أَن تُعَلَّقَ عَلَى الإِبِلِ أَشيَاء تُجعَلُ سَبَبًا فِي جَلبِ مَنفَعَةٍ أَو دَفعِ مَضَرَّةٍ، وَهِيَ لَيسَت كَذَلِكَ شَرعًا وَلاَ قَدَرًا؛ لأَنَّهُ شِركٌ، وَلاَ يَلزَمُ أَن تَكُونَ القِلاَدَةُ فِي الرَّقَبَةِ، بَل لَو جُعِلَت فِي اليَدِ أَو الرِّجلِ فَلَهَا حُكمُ الرَّقَبَةِ؛ لأَنّ العِلَّةَ هِيَ القَلاَئِدُ وَلَيسَ مَكانَ وَضعِهَا، فَالمَكانُ لاَ يُؤَثِّرُ»[21].
فَهَذِهِ - أَخِي القَارِئَ - بَعضُ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي التَّمَائِم، ِ وَدِلاَلَتُهَا عَلَى بُطلاَنِ تَعلِيقِ التَّمَائِمِ وَالتَّعَلُّقِ بِهَا وَاضِحَةٌ جَلِيّةٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ سَلِيمِ الفِطرَةِ.
وَقَد يَقُولُ بَعضُ ضِعافِ الإيمان - مِمَّنِ اتَّخَذَ تَعلِيقَ الخَرَزَاتِ وَالتَّمَائِمِ وَالقَلاَئِدِ وَالحُجُبِ سَبِيلاً لِتَتمِيمِ أُمُورِهِ -: قَد جَرَّبتُ هَذِهِ التَّمِيمَةَ وَنَفَعَتنِي!! فَيُقَالُ لَهُ: «حُصُولُ الغَرَضِ بِبَعضِ الأُمُورِ لاَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَإِن كَانَ الغَرَضُ مُبَاحًا، فَإِنَّ ذَلِكَ الفِعلَ قَد يَكُونُ فِيهِ مَفسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصلَحَتِهِ، وَالشَّرِيعَةُ جَاءَت بِتَحصِيلِ المَصَالِحِ وَتَكمِيلِهَا، وَتَعطِيلِ المَفَاسِدِ وَتَقلِيلِهَا، وَإِلاّ؛ فَجَميعُ المُحَرَّمَاتِ؛ مِنَ الشِّركِ، وَالخَمرِ، وَالمَيسِرِ، وَالفَوَاحِشِ، وَالظُّلمِ قَد يَحصُلُ لِصَاحِبِهِ بِهِ مَنَافِعُ وَمَقَاصِدُ، لَكِن لَمَّا كَانَت مَفَاسِدُهَا رَاجِحَةً عَلَى مَصَالِحِهَا نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنهَا، كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الأُمُورِ؛ كَالعِبَادَاتِ، وَالجِهَادِ، وَإنفَاقِ الأَموَالِ قَد تَكُونُ مُضِرَّةً، لَكِن لَمََّا كَانَت مَصلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفسَدَتِهِ أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ»[22].
بَعضُ التَّمَائِمِ الشِّركِيَّةِ المُنتَشِرَةِ فِي وَقتِنَا:
قَد أَصبَحنَا لا نُعدَمُ مِن رُؤيَةِ أَشكَالٍ مُتَنَوِّعَةٍ مِنَ التَّمَائِمِ وَالحُجُبِ وَالتَّعوِيذَاتِ؛ عَلَى الصِّبيَانِ وَالسَّيََّارَاتِ وَالبُيُوتِ وَحَتَّى عَلَى الدَّوَابِّ؛ مِن ذَلِكَ:
1- الكَفُّ: وَهِيَ مِن أَقدَمِ التَّمَائِمِ، وَتُسَمَّى عِندَنَا بِ «الخَامْسَة»، وَفِي مِصرَ «خَمسَة وَخَمِيسَة»[23]، وَفِي أُورُبَّا « la main de Marie»، وَعِندَ الرَّوَافِضِ «كَفُّ فَاطِمَة»، وأَصلُهَا خَمسُ آيَاتِ سُورَةِ الفَلَقِ[24]، فَكَأَنَّ الَّذِي يُشِيرُ بِكَفِّهِ قَد تَعَوَّذَ بِهَذِهِ الآيَاتِ، وَعِندَ الرَّوَافِضِ: «مُحَمَّدٌ، عَلِيٌّ، فَاطِمَةُ، الحَسَنُ، وَالحُسَينُ»، فَكَأَنَّ الْمُشِيرَ بِهَا يَتَعَوََّذُ بِهَؤَلاءِ الخَمسَةِ[25].
وَيُعَلِّقُونَهَا عَلَى الصِّبيَان - خَاصَّةً - فِي شَكلِ سِلسِلَةِ ذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ، وَعَلَى السَّيَّارَاتِ مُحِيطَةً بِآيَةِ الكُرسِيِّ!![26]، وَمِن أَعجَبِ مَا رَأَى الإِنسَانُ فِي عَصرِ الحَضَارَةِ! وَالتَّمَدُّنِ! أَنَّهَا كُتِبَت فِي إِحدَى لَوحَاتِ الإِشهَارِ رَمزًا لِشَرِكَةٍ مَا!![27]
2- حَدوَةُ الحِصَانِ: وَيكثُرُ تَعلِيقُهَا عَلَى أَبوَابِ البُيُوتِ وَعَلَى السَّيَّارَاتِ - الفَاخرةِ! مِنهَا -، وَذُكِرَ أَنَّ أَصلَهَا إِغرِيقِيٌّ، ثُمَّ صَارَ النَّصَارَى يَستَعمِلُونَهَا عَلَى أَبوَابِ بُيُوتِهِم دَفعًا لِضَرَرِ الشَّيطَانِ وَالأَروَاحِ الشِّرِّيرَةِ - فِي زَعمِهِم -، ثُمَّ استَعمَلُوهَا عَلَى شَكلِ دَقَّاقَةِ البَابِ، وَانتَقَلَت إِلَى المُسلِمِينَ تقليدًا لأَهلِ الكِتَابِ - كَعَادَةِ أَكثَرِهِم - لِدَفعِ العَينِ وَالسِّحرِ - بِزَعمِهِم -.
3- الصُّدَفُ وَالوُدَعُ: وَهِيَ أَحجَارٌ تُستَخرَجُ مِنَ البِحَارِ، وَصَارَت تُخَاطُ مَعَ جِلدٍ وَتُعَلَّقُ عَلَى الرِّقَابِ لِدَفعِ العَينِ، وَبَعضُهُم يَدَّعِي أَنَّهَا لِلزِّينَةِ، رُغمَ أَنَّ مَظهَرَهَا بَعِيدٌ عَنِ الجَمَالِ!!
4- الشَّوكُ: - نَبَاتِيًّا كَانَ أَو حَيَوَانِيًّا -، وَيَضَعُونَهُ عِندَ مَدخَلِ البَيتِ عَلَى شَكلِ نَبَاتَاتٍ صَغِيرَةٍ، وَفِي مُقَدَّمَةِ السَّيَّارَاتِ وَمُؤَخَّرَتِهَا، وَمَا عَلِمَ مَن عَلَّقَهُ أَنَّهُ لا يَنفَعُ وَلا يَضُرُّ!، بَل قَد يَضُرُّ؛ فَقَد يَنقَلِبُ عَلَى أَحَدِهِم فَيَفقَأُ عَينَهُ!
5- الخُيُوطُ وَالأَسوِرَةُ: فَبَعضُهُم يُعَلِّقُ خَيطًا عَلَى عَضُدِهِ، أَو مِعصَمِهِ، وَبَعضُهُم يُعَلِّقُ سِوَارًا نُحَاسِيًّا فِي مِعصَمِهِ، كُلُّ هَذَا دَفعًا لِلعَينِ - بِزَعمِهِم -، وَادَّعَى بَعضُهُم أَنَّ هَذَا السِّوَارَ لِعِلاجِ الرُّومَاتِيزم!! وَلا دَلِيلَ طِبِّيَّ عَلَى مَا قَالَ، وَإِنَّمَا هِيَ شبهةٌ شَيطَانِيَّةٌ[28].
6- عَجَلَةُ السَّيَّارَةِ: وَتُعَلَّقُ عَلَى أَسطُحِ البُيُوتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ التَّمِيمَةَ خَاصَّةٌ بِبَلَدِنَا، وَالمَقصُودُ مِن تَعلِيقِهَا دَفعُ العَينِ!
7- رُءُوسُ بَعضِ الحَيوَانَاتِ[29]: وَمِن ذَلِكَ تَعلِيقُ رَأسِ الغَزَالِ المُحَنَّطِ فِي البَيتِ، وَرَأسِ الحِمَارِ المُحَنَّطِ! عِندَ مَدخَلِ المَزرَعَةِ، دَفعًا لِلعَينِ!!
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرتُ لَكَ - عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصرِ - بَاطِلٌ لا تَأثِيرَ لَهُ، وَهُوَ شِركٌ، وَلَم تَتَوَقَّف هَذِهِ الظَّاهِرَةُ السَّيِّئَةُ عِندَ العَوَامِ فَحَسْبُ، بَلِ انتَشَرتْ حَتَّى عِندَ مَن لَهُ صِلَة بِالعِلمِ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ فِي بَعضِ المَخطُوطَاتِ كَلِمَةَ «يا كبيكج» حِفظًا مِنَ الأَرَضَةِ - زَعموا -[30]، وَبَعضُهُم يَكتُبُ فِي كُتُبِ المُرَاسَلاتِ «بدوح»[31]!
هَذَا مَا يَسَّرَ اللهُ جَمعَهُ، وَالحَمدُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرًا.