بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها المسلمون احذروا أدوى الأدواء : البخل
صحَّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة"، زاد الإمام أحمد: "لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه"، وربنا - سبحانه وتعالى - من قبل هو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، والمؤمنون الصالحون على ذلك سائرون.
فالأسخياء سادة، وحبهم قربى وعبادة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الأسخياء، ويثني عليهم، ويقدمهم على غيرهم، ويبغض البخل والبخلاء، ويؤخرهم وينحيهم عن السيادة والقيادة.
روى ابن عبد البر في ترجمة السخي التقي عمرو بن الجموح - رضي الله عنه -: (قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من الأنصار، فقال: "من سيدكم؟ "، فقالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأيُّ داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح".
وقد صاغ ذلك شاعرهم:
وقال رسول الله والحق قـوله*** لمن قال منا من تسمون سيدا
فقالوا له: جـد بن قيس على التي*** نبخله فيها وإن كان أســودا
فسود عمرو بن الجموح لجـوده*** وحق لعمرو بالندى أن يسوَّدا
إذا جاءه السؤَّال أذهب مـــاله*** وقال: خذوه إنه عائد غــدا
فلو كنت يا جد بن قيس على التي*** على مثلها عمرو لكنت مسودا
ومن جود عمرو بن الجموح أنه كان يولم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تزوج.
سئل الحسن البصري - رحمه الله - عن حقيقة البخل، قال: هو أن يرى الرجل ما أنفقه سرفاً، وما أمسكه شرفاً؛ وقيل: البخل هو إمساك الإنسان ما في يده، والشح وهو أشد البخل: تناول ما ليس له ظلماً وعدواناً من مال غيره، حتى قيل: إنه رأس المعاصي كلها، ولهذا جاء في الحديث: "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب مؤمن"، وفي حديث آخر: "أفضل الإيمان الصبر والسماحة"، فسِّر الصبر بالصبر عن المحارم، والسماحة بأداء الواجبات.
وفي صحيح مسلم: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"، لهذا قال - تعالى -: "وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، فليبشر البخيل بالآتي:
يعيش عيش الفقراء ويُحاسب حساب الأغنياء، ويحاسب بما يتنعم به غيره.
بدعاء الملك عليه في كل صباح: اللهم أعط ممسكاً تلفاً.
بأنه بعيد عن الله، بعيد عن الجنة، بعيد عن الناس، قريب إلى النار.
ببغض أهله وأولاده، وتمني زواله.
بشر ماله بحادث أووارث.
بجنة من حديد تلزق به كما صح بذلك الخبر.
لا يحصي إلا بحصى، ويضيق عليه كما أخبر الصادق المصدوق.
بالشح، فإن البخل قائد إلى الشح.
رحم الله أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز، حيث قالت: قبح الله البخل، والله لو كان ثوباً ما لبسته"، فالبخل قبيح بكل الناس، سيما العلماء، وفي كل الأزمان، سيما رمضان شهر البر والإحسان؛ اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، وصلى الله وسلم على من قال فيه حسان:
ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاؤه