الغذاء النظيف.. أساسي لتفادي الأمراض

المواد الضارة التي تختبئ داخل المنتجات الغذائية التي نأكلها يومياً كثيرة
ومتنوعة، أبرزها المواد الحافظة، بقايا مبيدات الحشرات، الكافيين، والمواد
المسرطنة التي تنشأ أثناء عملية الطبخ. نعم، نظامنا الغذائية مليء بالمواد
السامة، التي يجمع الكثير من الخبراء على القول إنّها تلحق أضراراً كبيرة
بصحتنا. لكن، ولحسن الحظ، كما يقول المتخصص الأميركي الدكتور ألسون هاز،
فإن أجسامنا مبرمجة للتعامل مع ما يدخلها من مواد سامة من وقت إلى آخر، فهي
مجهزة بأواليات طبيعية لتنقية الخلايا والأنسجة. ولكن عندما نكون معرضين
بشكل متواصل لهذه المواد الكيميائية الموجودة في طعامنا وفي البيئة المحيطة
بنا، فإنّ الجسم يعجز عن الإستمرار في أداء مهمة التنقية بالفاعلية نفسها.
وهنا تبدأ المشاكل الصحية في الظهور.
ويطلق هاز على ظاهرة تراكم المواد السامة في الجسم اسم "الشحنة السامة".
فعندما نتعرض للمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الصناعية الموجودة في
الهواء والماء والتربة وفي مصادر أخرى، فإنّ هذه المواد السامة تتجمع مع
الوقت في عظامنا، وأعضائنا، وفي الخلايا الدهنية والأنسجة الأخرى. وهي تأتي
لتضاف إلى المواد السامة الأخرى التي تدخل جهازنا الهضمي عن طريق الأطعمة
التي نتناولها. وتكون النتيجة أن نصبح أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل الصحية
المختلفة بدءاً بالسرطان وإنتهاء بالأمراض المزمنة.
صحيح أن فكرة تنقية نظامنا الغذائية بالكامل هي بعيدة المنال (فحتى
المنتجات العضوية يمكن أن تحتوي على مواد سامة)، إلا أن أي جهد في هذا
الإتجاه، مهما كان صغيراً، يمكن أن يؤدي إلى فرق كبير في مجمل المواد
السامة التي نتناولها، ويخفف مع الوقت من الشحنة السامة في الجسم. مثال على
ذلك، يمكننا، حين نقوم بشي اللحوم، أن نتفادى ظهور الطبقات السوداء عليها.
فهذا يقينا التعرض لمواد كيميائية مسرطنة تنتج عند شي اللحوم على درجات
حرارة قوية. كذلك يمكننا أن نخفف من تناول النشويات المطبوخة على حرارة
قوية، مثل البطاطا المقلية، وذلك لإحتوائها على مستويات عالية من مواد
أظهرت التجارب المخبرية، التي أجريت على الحيوانات، أنها قد تسبب السرطان.
ومن جهتها يمكن أن تسبب المبالغة في تناول الكافيين مشاكل صحية عدة.
فالكافيين يجهد الغدد الكظرية، ويرفع مستويات هرمون التوتر الكورتيزول.
صحيح أنّ التركيبة البيوكيميائية لكل منّا هي التي تحدد مدى تأثره سلباً
بالكافيين، إلا أن معظمنا يستفيد من التخفيف من كمية ما يتناوله منه.
وتنقية النظام الغذائي يمكن أن تبدأ بالتوقف عن تناول الأطعمة التي تحتوي
على مواد تحلية إصطناعية، ومواد ملونة وحافظة، إضافة إلى دهون ترانس بالغة
الضرر. كذلك يمكن أن تعني التخفيف من تناول السكر والدهون المشبعة.
والواقع أنّه عندما يتعلق الأمر بتنقية الجسم فإنّ الأطعمة التي نأكلها لا
تقل أهمية عن الأطعمة التي نتجنبها. فمساعدة الجسم في عملية التنقية التي
يقوم بها، تستلزم تناول أطعمة تساعد على تنقية الأنسجة. مثال على ذلك
الخضار من الفصيلة الصليبية، مثل البروكولي والقرنبيط والملفوف، فهي تحتوي
على مواد تساعد على تنقية الكبد. كذلك فإنّ الألياف الموجودة في الفاصولياء
والحبوب الكاملة تجتذب المواد السامة الموجودة في الجهاز الهضمي وتخرجها
من الجسم مع الفضلات. ولوقاية الخلايا من أضرار المواد السامة، من الضروري
تناول المنتجات الطبيعية الغنية بمضادات الأكسدة، مثل السبانخ والتوت
الأزرق والشاي الأخضر. وغني عن الذكر أن إحتساء كمية وافرة من المياه
النقية يساعد على إخراج المواد الضارة من الأنسجة، ويساعد على حسن سير
عملية التنقية الطبيعية التي يقوم بها الجسم.
- الحد من التعرض للمواد السامة:
جاء في المعطيات، التي جمعتها منظمات بيئية في الولايات المتحدة في عام
2006، أن في وسع الناس التخفيف من تعرضهم لمبيدات الحشرات السامة بنسبة 90%
تقريباً بمجرد الإمتناع عن تناول الاثني عشر نوعاً من الفواكه والخضار
الأكثر إحتواء على مبيدات الحشرات، وشراء الأنواع العضوية منها. أمّا هذه
المنتجات فهي: التفاح، الكرفس، الكرز، العنب، الخس، الدراق بنوعيه الأبيض
والأصفر، الإجاص، البطاطا، السبانخ، الفراولة والفلفل الحلو. ويقول هاز إن
أفضل طريقة للتخفيف من تعرضنا للمواد السامة يومياً، تتمثل في تناول
المنتجات الطبيعية العضوية والمنتجات الغذائية غير المصنعة.
وتتم زراعة وإنتاج المحاصيل العضوية من دون اللجوء إلى مبيدات الحشرات
التقليدية، والأسمدة التي تحتوي على مواد ضارة ومعدلة بيولوجياً. أمّا
اللحوم والدواجن والبيض ومشتقات الحليب العضوية، فهي منتجات تأتي من
حيوانات لم تتلقَّ مضادات حيوية أو هرمونات نمو. وتجدر الإشارة إلى أنّ
الزراعة العضوية تلجأ إلى ممارسات تحمي التربة والماء والهواء. وعلى الرغم
من أنّ الأطعمة العضوية تكون عادة أغلى ثمناً من الأطعمة العادية، إلا أنّ
الكثيرين من مفضلي الممارسات العضوية يعتبرون هذه التكلفة الإضافية
إستثماراً جيِّداً في صحتنا، وإنعكاساً للتكلفة الحقيقية لإنتاج أطعمة ذات
نوعية عالية، من دون إلحاق الضرر بالبيئة والإنسان.
ويقول الدكتور تيد شيتلير، مدير مركز علوم الصحة البيئية في أيمس في ولاية
أيوا الأميركية، إنّ الدراسات العلمية تظهر بشكل واضح أنّ هناك علاقة وطيدة
بين التعرض لمبيدات الحشرات والإصابة بأمراض خطيرة. مثال على ذلك، وفي عام
2004، أظهرت دراسة كندية أجريت في كلية أنتاريو لطب العائلة أنّ هناك
علاقة بين التعرض لمبيدات الحشرات والإصابة بسرطان الدم، تشوهات الأجنة،
إصابات الجهاز العصبي، العديد من أنواع السرطان وعلى رأسها سرطان الدماغ،
البروستاتا، الكليتين والبنكرياس.
والواقع أن تأثير كل نوع من المبيدات في الجسم ليس واضحاً تماماً، غير أنّ
بعض الدراسات تشير إلى أنها قد تستهدف الهرمونات وتكبح أداءها، كما أنّها
تلحق أضراراً بالخلايا، خاصة خلايا الدماغ والجهاز العصبي. وبما أنّه يتم
تخزين هذه المواد في دهون الجسم، فعملية تراكمها تصبح سهلة.
لكن، وبما أنّ المنتجات الزراعية العضوية لا تكون متوافرة دائماً للجميع في
جميع المناطق التي يعيشون فيها، أو أنهم لا يكونون دائماً قادرين على تحمل
تكلفتها، فمن المفيد أن نحدد متى يكون ضرورياً شراء المنتجات العضوية،
ومتى يمكننا الإستغناء عنها، وفي ما يخص الفواكه والخضار، هناك أنواع تتجمع
فيها نسبة عالية جدّاً من المبيدات وأبرزها المنتجات الاثني عشر التي
ذكرناها أعلاه. وينصح المتخصصون بشراء الأنواع العضوية منها كلما أمكن ذلك،
ومهما كان الفارق في السعر. وفي المقابل هناك أنواع من منتجات الزراعة
التقليدية تعتبر نظيفة وآمنة بسبب إنخفاض مستويات المبيدات التي تتجمع
فيها، وأبرز هذه المنتجات هي: الأفوكادو، الموز، الهليون، البروكولي،
الملفوف، الكيوي، المانغو، البصل، البابايا، الأناناس، الذرة، البسلة. وهذا
يعني أنّه يمكننا توفير نقودنا وشراء الأنواع غير العضوية من هذه المنتجات
النظيفة نسبياً.
أمّا بخصوص اللحوم والمشتقات الحيوانية كافة، فيقول هاز إنّ القصة مختلفة،
وهو لا ينصح بتناول اللحوم أو الألبان الناتجة عن تربية المواشي التقليدية.
فالمواشي والدواجن تتم تربيتها باستخدام الهرمونات المركبة، المضادات
الحيوية، مبيدات الحشرات والأسمدة الكيميائية التي تتجمع في خلايا
الحيوانات الدهنية. وهذه المواد السامة يمكن أن تجد طريقها إلى أجهزة
وأعضاء البشر الذين يأكلون لحوم هذه الحيوانات.
ففي المزارع التجارية، تقتات الحيوانات على الذرة والحبوب مع مواد مضافة
ومنتجات أخرى تساعد على إكسابها وزناً في وقت قصير. وبما أن أجسام الماشية
مبرمجة لتقتات على الأعشاب. فإن جعلها تأكل حبوباً يغير مستويات الحموضة في
معدتها. ويقول بعض الخبراء إنّ هذا التغير يجعل المواشي أكثر عرضة
للجراثيم والعدوى التي يمكن أن تنتقل إلى مستهلك لحومها. وكانت دراسة أجريت
في عام 2002 ونشرت نتائجها مجلة "التغذية العيادية الأوروبية"، قد أظهرت
أنّ الماشية، التي تقتات على الأعشاب، تتمتع بحالة صحية أفضل من الماشية
التي تقتات على الذرة، وأنّ الأولى تعطي لحوماً خفيفة الدهون، مقارنة مع
لحوم الثانية. ويقول شيتلير إن تناول الأطعمة العضوية، بما في ذلك اللحوم
والمنتجات الزراعية، يؤدي إلى التخفيف بشكل ملحوظ من تعرضنا لمبيدات
الحشرات الضارة. وهو أمر مفيد جدّاً للصحة، خاصة لدى الأطفال. ولأسباب صحية
أيضاً، يحث شيتلير الجميع على جعل اللحوم عنصراً ثانوياً في الوجبة،
وتصغير حجم الحصص التي يتناولونها منها. وينصح بالإستعاضة عنها بأنواع أخرى
من البروتينات، مثل البقوليات والمكسرات والأسماك.
- المواد السامة والأسماك:
تعتبر الأسماك مصدراً ممتازاً للبروتينات خفيفة الدهون، وتناولها هو أفضل
طريقة للحصول على جرعات صحية من أحماض أوميغا- 3 الدهنية الصحية. والمعروف
أنّ هذه الأخيرة تسهم في الحفاظ على صحة القلب والدماغ والخلايا بشكل عام.
غير أنّ مناطق صيد الأسماك في العالم تتناقص، والبحار والأنهار لم تعد
نظيفة مثلما كانت في الماضي. والكثير من لحوم الأسماك التي تعيش خارج مواقع
تربية الأسماك، تكون غنية بالزئبق، والمواد السامة الأخرى، التي أظهرت
الدراسات أنّ هناك علاقة بينها وبين بعض الأضرار التي تصيب الجهاز العصبي
وبالدماغ. وفي المقابل، تبين أن لحوم الأسماك في مواقع تربية الأسماك تحتوي
هي أيضاً على نسبة عالية من الملوثات الكيميائية. من هنا ضرورة الإنتباه
إلى مصدر الأسماك قبل شرائها.
- طرق بسيطة لتنقية النظام الغذائي:
- الإمتناع عن تناول الأطعمة التي تحتوي على مواد كيميائية ومواد مضافة
ونكهات إصطناعية ومواد ملونة، فجميعها تلعب دوراً في الإصابة بأمراض
وإضطرابات صحية بدءاً بالحساسية وإنتهاء بالسرطان.
- الإمتناع عن تناول الأطعمة التي تحتوي على دهون ترانس، فهي تؤدي إلى
إنتاج جزيئات حرة في الجسم، تبين أن لها علاقة بالإصابة بالسرطان ومرض
القلب والأمراض الأخرى.
- التخفيف من تناول مواد التحلية الإصطناعية، فالعديد منها لم يتم التأكد
بعد من سلامة إستخدامه على المدى البعيد، أو مع مواد كيميائية أخرى.
- حفظ الزيوت في الثلاجة للحيلولة دون فسادها.
- تخزين الأطعمة وتسخينها في أوعية زجاجية عوضاً عن الأوعية البلاستيكية،
وذلك لتفادي رشح المواد الكيميائية من البلاستيك إلى الأطعمة.
- تفادي تناول اللحوم المبالغ في شيها لإحتوائها على مواد قد تسبب السرطان.
منذ إستيقاظنا صباحاً، وحتى خلودنا إلى النوم ليلاً، قد نتعرض، عن طريق نظامنا الغذائي، لعشرات المواد التي يمكن تلحق الضرر بصحتنا.