عندما تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأسرة ، جعل الحب أساساً لكلامه فقال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ، والمودة هي الحب , وقد جعل سبحانه الرحمة بعد المودة ، لأنه إذا غابت المودة فيـرحم الزوج زوجته ، وترحم الزوجة زوجها فلن يكون هناك حب .
أما إذا عادت المودة فسيعود الحب , وحسن المعاملة بين الزوجين هي الطريق الوحيد لاستعادة الحب ، أما القسوة والغلظة والقهر فهي التي تقطع الطريق أمام عودة الحب , وأولويات الرجل في مسؤوليته عن الأسرة هي التربية ثم الإنفاق .
إذا لا ينفع أن يدعي الرجل أنه أدى واجبه حين أنفق على أولاده وزوجته ، فأين احتضانه لأولاده وحنانه عليهم وأين مودته للزوجة ؟ كذلك فإن أولويات المرأة الحنان للرجل وتربية الأبناء ثم يأتي بعد ذلك العمل , فمن المهام الرئيسية للرجل أن يعطي الحنان للمرأة ، وقد قال سبحانه : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهم " .
وإذا عدنا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، نجد أنه لم يكن ينادي السيدة عائشة باسمها ، إنما كان يدللها بعائش أو حفص , وكان يطعمها في فمها بيده , وكان إذا جاءها الحيض يبحث عن موضع شفتيها على الإناء حين تشرب الماء ، فيضع شفتيه حيث وضعت شفتيها ليشعرها بالحنان .
ويأخذها للفسحة كل أسبوع ، ولم يتعلل أبداً بانشغاله بعمله أو مسئوليته , وكان يلعب معها ويسابقها وتسبقه , وكان يكثر من إطعامها حتى يزيد وزنها فلا تسبقه , وحين يسبقها في العدو ويقول لها : يا عائشة وهذه بتلك , فتفهم أنه كان يتعمد الإكثار من إطعامها ليثقل وزنها ويكسبها في السباق .
وتقول إحدى زوجات الرسول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً في بيته , أي كان يضحك ويُضحك أهل بيته , ولم يكن صامتاً مثل أزواج هذه الأيام حيث تشكو الزوجات من الخرس الزوجي , فيقلن : كان رسول الله يحدثنا ونحدثه ، فإذا نودي للصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه .
وكانت السيدة عائشة تجلس بالساعات تحدثه ويسمع منها وتسأله : كيف حبك لي ؟ فيقول لها : كعقدة الحبل , تقول فكنت أتركه أياماً وأعود لأسأله : كيف العقدة يا رسول الله ؟ فيقول صلى الله عليه وسلم هي على حالها .
ويسأله عمرو بن العاص : من أحب الناس إليك يا رسول الله ؟ فيقول: عائشة زوجتي , كثير من الرجال الآن يسببون الأذى لمشاعر زوجاتهم حين يقول الواحد منهم لزوجته : توقفي عن الرومانسية ، أنا لا أستطيع أن أقول كلام الحب لك , فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كلام الحب لزوجته .
وكان الصحابي ابن عباس يقص شعره ويتزين ويتعطر ، ليسأله أصحابه : هل أنت ذاهب لتتزوج ؟ فيقول لهم : لا أنا ذاهب إلى بيتي , فيندهشون ويسألونه : هل الذاهب إلى بيته يفعل كل ذلك ؟ يقول : أنا ذاهب للقاء زوجتي ، أحب أن أتزين لها ، كما أحب أن تتزين لي .
أعود فأقول إن أولويات الرجل يجب أن تكون : تربية الأبناء ، والحنان للزوجة ثم الإنفاق على البيت , فلابد أن يحس الأبناء بأن لهم أباً يربيهم ، وأنه ليس مجرد خزينة نقود , فإذا أهمل الأب الجانب الأول اكتفي بالإنفاق ، فإنه يصرخ حين يفاجأ بأن ابنه مدمن للمخدرات : أنا لم أبخل عليه بشيء .
فلماذا فعل ذلك ؟ ونسي أنه لم يجلس مع أبنائه ليستمع إليهم ويناقشهم وينقل إليهم خبراته ونصائحه , فنريد أن نحافظ على بيوتنا حتى ولو كان ذلك على حساب جزء من مكاسبنا المادية , نريد عودة الحب إلى بيوتنا. اعط زوجتك 10% حناناً ، وسوف تعطيك 50% من الحنان والإخلاص .
نأتي بعد ذلك إلى عمل المرأة : فالإسلام يحرص على أن تنجح المرأة المسلمة في الحياة العملية , والإسلام يريدها أن تنجح كموظفة ومديرة , وأن تنجح في الجمعية الخيرية وفي المشروع الخاص , هذا هدف إسلامي , فـالنبي صلى الله عليه وسلم قد فتح مستشفىً صغيراً لكي يعالج فيه الناس , وعين عمر بن الخطاب امرأة لتكون مسئولة عن ضبط الأسواق .
لكن المطلوب أن تعمل المرأة موازنة بين عملها والحنان لزوجها وتربية الأبناء , وألا يكون نجاحها في عملها على حساب ترابط بيتها ومحبتها لزوجها واهتمامها بالأبناء , فإذا كان نجاح المرأة في عملها سيؤدي إلى فشل حياتها الزوجية والأسرية ، فلا داعي له , والزوجة هي التي تمنح الحنان للزوج فيثبت وينجح , فالزوج يحتاج إلى طبطبة الزوجة عليه حين واجه فشلاً أو أزمة .
والزوجة هي المنوط بها تربية الأبناء ، فالأم مدرسة كما قيل , والتربية ليست أن تقولي لأبنائك : كلوا واشربوا وناموا وذاكروا دروسكم , فالتربية هي إصلاح الأخلاق واكتشاف مواهب الأبناء وتفجيرها ، وبعد ذلك يأتي نجاحها في الحياة العملية , ذلك هو لترتيب الصحيح لأولويات الزوجة المسلمة , ولا بد أن يكون إطار العلاقة بين الأم والأبناء هو المودة والحب والرحمة .